09/04/2024 - 09:34

6 أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة.. ما الذي تحقق؟

قال الباحث في الشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، إنه بعد نصف عام من الحرب الأكثر تدميرية وإبادة ضد غزة ما زالت إسرائيل تراوح في مكانها من دون إنجازات إستراتيجية يمكن التعويل عليها لحسم اتجاه ما يوصف بأنه اليوم التالي للحرب.

6 أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة.. ما الذي تحقق؟

غزة، أول من أمس (Getty Images)

مضت ستة أشهر على الحرب المدمرة المتواصلة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ولغاية اليوم، وارتفعت حصيلة الحرب إلى أكثر من 33 ألف شهيد بينهم ما لا يقل عن 13 ألف طفل، وجرح أكثر من 75 ألف فلسطيني، إضافة إلى تدمير النظامين الصحي والتعليمي بالكامل، وإحداث دمار هائل في غزة بعد تدمير أكثر من نصف المنازل السكنية ونزوح مليوني فلسطيني من مكان سكناهم، وتجويع عشرات الآلاف من سكان شمالي قطاع غزة، ولم تحقق إسرائيل أهدافها العسكرية المعلنة وهي القضاء على حركة حماس، وتفكيك بنيتها التحتية، وتحرير المحتجزين.

حول هذه الحرب الإسرائيلية وما حققت وما لم تحقق من أهدافها، حاورنا الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت.

"عرب 48": مضت ستة أشهر على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ماذا حققت إسرائيل حتى اليوم؟

شحلت: سأستأنس للإجابة عن هذا السؤال بما كتبه معظم المحللين العسكريين والسياسيين في إسرائيل بهذه المناسبة، بمن في ذلك بعض المحللين في صحف اليمين على غرار صحيفة "يسرائيل هيوم". وبطبيعة الحال فإن الإجابة عن السؤال تقتضي بالأساس مقارنة نتائج الحرب حتى الآن بالأهداف الموضوعة لها. وفي طليعة تلك الأهداف التي وضعتها الحكومة، تدمير حركة حماس عسكريا وسلطويا، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة.

في هذا الصدد يجمع المحللون الإسرائيليون وبالأساس الخبراء في الشؤون العسكرية أن ما حققته إسرائيل غير مرض في أحسن الأحوال، ويعبر عن فشل مدوٍ في أسوئها. بالإضافة إلى ذلك أدت الحرب إلى تصعيد الأوضاع الأمنية في الجبهة الشمالية مع لبنان وما زالت المشاكل هناك الناجمة عن إخلاء سكان المستوطنات الحدودية أكبر حتى من مشاكل سكان مستوطنات الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة. وهناك كذلك تفاقم في عزلة إسرائيل في الساحة الدولية وزيادة في احتمالات فرض مقاطعات وعقوبات وإجراءات قضائية على قادتها السياسيين والعسكريين. وثمة خلافات في الرأي مع الإدارة الأميركية بموازاة تحوّل دعم هذه الإدارة لإسرائيل والحرب إلى قضية ذات ثقل في معركة الانتخابات الأميركية.

إجمالا، يمكن القول إنه بعد نصف عام من الحرب الأكثر تدميرية وإبادة ضد قطاع غزة ما زالت إسرائيل تراوح في مكانها من دون إنجازات إستراتيجية يمكن التعويل عليها لحسم اتجاه ما يوصف بأنه اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، فضلا عن عودة كل الاستقطابات السياسية والاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، والتي تم حجبها في ظل ضباب الحرب.

أنطوان شلحت

"عرب 48": لماذا وضعت أهداف غير واقعية منذ البداية للحرب، مثل القضاء على حماس؟

شحلت: أعتقد أن إسرائيل وضعت أهدافا من دون أن تدرك، وأغلب الظن في وعيها التام، أنها غير واقعية. وهذا يعود إلى غطرستها المعهودة وإلى شعورها بأنها تمتلك فائضا من القوة الذي يجعلها مقتنعة بأن ما لا تنجح في الوصول إليه وتحقيقه بالقوة يمكن بلوغه بالمزيد من القوة. وهذا هو دأب سياستها على مرّ الأعوام في التعامل مع القضية الفلسطينية ومع الفلسطينيين ومع كل القضايا العربية.

سبق لي أن أشرت في أكثر من مناسبة إلى أن الهزيمة المدوية التي ألحقها عملية "طوفان الأقصى" بإسرائيل تتعلق على وجه الخصوص بالعقل الإسرائيلي وقدرته على استشراف ما تنطوي عليه المقاومة الفلسطينية من عقل وتخطيط وقدرات ومقدرات. هذا العقل الإسرائيلي هو عقل متبجح بامتياز ويبدو أنه بعد هذه الحرب بدأ البعض يدرك أنه يعرف بأنه لا يعرف. بالمناسبة، العودة الآن إلى الأيام الأولى للحرب تثبت أن إطلاق صفة غير الواقعية على الحرب لم تواجه بنقد حادّ منذ اللحظة الأولى، مثلما بدأت تواجه في وقت لاحق وتفاقمت شيئا فشيئا.

وهذا يبرهن على أن قدرات المقاومة وأداءها هما ما جعلا الأهداف التي وضعت للحرب غير واقعية. ويجب ألا ننسى أن المسألة منوطة أيضا بقدرات الجيش الإسرائيلي والتحولات التي طرأت على العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

"عرب 48": هل يمكن تصور قطاع غزة بدون دور فاعل لحركة حماس؟

شحلت: لا بالتأكيد. أعتقد أنه ترتُّبًا على نتائج الحرب، باتت حماس بمثابة الرقم الصعب لا على مستوى قطاع غزة فقط إنما أيضا على صعيد القضية الفلسطينية. وطريق حماس، طريق المقاومة، يحظى بدعم وتأييد غالبية أبناء شعبنا الفلسطيني.

ومن نافل القول إن هذا الدعم والتأييد ناجم في الوقت عينه عن تطورين أظهرتهما الحرب بكل جلاء: الأول، جوهر إسرائيل كدولة احتلال مدمنة على العنف وعلى جرائم الحرب والتطهير العرقي. والثاني، فشل نهج التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، كما جسدته اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

"عرب 48": هل يريد نتنياهو إنهاء الحرب أم أن الحرب صارت هدفا سياسيا له؟

شلحت: لا شك في أن الحرب أصبحت هدفا سياسيا أثيرا لبنيامين نتنياهو، يساعده في البقاء في منصبه وفي الحفاظ على الائتلاف الأصلي لحكومته السادسة مع أحزاب الصهيونية الدينية واليهود الحريديم. وقد أطلقت تهديدات من طرف اليمين الإسرائيلي المتطرف بأن وقف الحرب يعني نهاية ولاية نتنياهو كرئيس للحكومة.

يبقى السؤال فيما إذا كان كل ما يرغب فيه نتنياهو يحققه، خصوصا في ضوء التطورات الحاصلة على الموقف من الحرب في العالم والولايات المتحدة، وتطورات الساحة السياسية الإسرائيلية الداخلية ارتباطا بنتائج الحرب وقضية المحتجزين.

"عرب 48": كيف نقرأ الحراك الإسرائيلي المطالب بإجراء انتخابات مبكرة؟

شحلت: أعتقد أنه حراك مهم كونه يحتج على استمرار ولاية الحكومة في ضوء فشلها في تحقيق أهداف الحرب وتمسكها بالحرب على الرغم من هذا الفشل. مع ذلك فمن السابق لأوانه توقع مآلاته واحتمالات نجاحه في تلبية مطالبه باستقالة الحكومة والذهاب نحو انتخابات مبكرة.

حتى الآن ما زال الائتلاف الأصلي لحكومة نتنياهو السادسة المكوّن من 64 عضو كنيست قويا ومتماسكا ولم يضعضعه شيء. وفي وسعه الاستمرار في الحكم حتى لو تصاعد الحراك والتظاهرات.

تقديري أن هذا الائتلاف سيتمسك بالسلطة حتى الرمق الأخير، وهو يدرك أن فرصة الحكم التي جاءته على طبق من فضة قد لا تتكرر. وبالتالي فإن الذهاب إلى انتخابات عامة الآن قد يقضي على هذه الفرصة.

"عرب 48": في الجانب الفلسطيني، ماذا حققت المقاومة الفلسطينية؟

شلحت: حققت المقاومة الفلسطينية ما يلي:

أولا، إعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب يناضل من أجل التحرر من الاحتلال والكولونيالية والأبرتهايد، وكل ذلك نجم عن المشروع الصهيوني حيال فلسطين. وهو اعتبار أعيد إليها على مستوى العالم، ولا يقل أهمية عن ذلك كونه اعتبارا أعيد إليها أيضا على مستوى العالم العربي الذي بدا في الأعوام الأخيرة أنه انشغل عن هذه القضية لمصلحة التطبيع مع إسرائيل.

ثانيا، كشفت عن حقيقة إسرائيل، مثلما سبقت الإشارة، بأنها دولة احتلال مدمنة على العنف وجرائم الحرب والتطهير العرقي وسرقة الأرض. وهناك جانب مهم في هذا الكشف يتعلق بتأثير حقيقة إسرائيل هذا في تصاعد المخاطر على كل اليهود في الدياسبورا.

ثالثا، ساهمت في ما يمكن اعتباره فلترة الوضع الفلسطيني، بمعنى طرح مسار بديل لمسار التسوية والمفاوضات يسهم في هزّ أركان العالم وجعله يلتفت إلى قضية فلسطين وسياسات إسرائيل وحماتها.

رابعا، على المستوى الفكري تسببت المقاومة بإثارة جدل عالمي حول مسائل أخلاقية ترتبط على وجه الخصوص بالمقاومة ومناهضة الاستعمار، مثلما أشار المفكر العربي عزمي بشارة، وهذه مسألة مقدّر لها أن تستمر وأن تنعكس على قضية فلسطين على مستوى تأييد الرأي العام.

"عرب 48": أليس الثمن باهظا جدا؟

شلحت: بالنسبة للثمن، هو باهظ جدا جدا، على صعيد الأهل في غزة وعلى صعيد كل القطاعات المادية في غزة. ولا ينبغي خلط الأوراق، فالمسؤولية عن هذا الثمن الباهظ تتحملها إسرائيل الآخذة بالتوحش أكثر فأكثر. وربما تحت وطأة هذا الثمن وأمام مسؤولية تجاوزه لا يجوز لأي جهة كانت أن تضحي بالمستحق المطلوب لهذه المعركة وهو التحرر والاستقلال.

ولا يجوز لأي جهة أن تتلكأ في بذل كل جهد مطلوب لترتيب البيت الفلسطيني وتمتين الوحدة الوطنية لكل أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن إقامتهم.

التعليقات